فصل: (سورة الحجر: الآيات 1- 11).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال محيي الدين الدرويش:

سورة الحجر مكية وآياتها تسع وتسعون.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة الحجر: الآيات 1- 11].

{الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (4) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (5) وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11)}.

.الإعراب:

{الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} الر تقدم اعرابها وتلك مبتدأ وآيات الكتاب خبر وقرآن عطف على الكتاب ومبين صفة للقرآن وساغ عطف قرآن على الكتاب وإن كان المراد واحدا للتعدد اللفظي والتغاير فيه ولزيادة صفة في المعطوف وهي مبين وجميل قول البيضاوي: تنكير القرآن للتفخيم وكذا تعريف الكتاب. {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ} ربما: كافة ومكفوفة، قال أبو حيان: ولما كانت رب عند الأكثرين لا تدخل على مستقبل تأولوا يود في معنى ود لما كان المستقبل في اخبار اللّه لتحقق وقوعه كالماضي فكأنه قيل ود وليس ذلك بلازم بل قد تدخل على المستقبل لكنه قليل بالنسبة إلى دخولها على الماضي ومما وردت فيه للمستقبل قول هند أم معاوية:
يا رب قائلة غدا ** يا لهف أم معاويه

وقول جحدر:
فإن أهلك فرب فتى سيبكي ** عليّ مهذّب رخص البنان

وسيأتي قول مسهب فيها في باب الفوائد، ويود الذين فعل مضارع وفاعل وجملة كفروا صلة ولو مصدرية لوقوعها بعد يود وهي مع مدخولها في تأويل مصدر هو المفعول للودادة والمعنى يودون كونهم مسلمين، ويجوز أن تكون لو امتناعية ويكون جوابها محذوفا تقديره لو كانوا مسلمين لسروا بذلك إذ تخلصوا مما هم فيه ومفعول يود على هذا التقدير أي ربما يود الذين كفروا النجاة. {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} ذرهم فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به وقد تقدم أن هذا الأمر وأمر دع لا يستعمل لهما ماض إلا قليلا بل يستعمل منهما المضارع نحو {ونذرهم في طغيانهم} ويأكلوا جواب مجزوم على انه جواب الأمر ويتمتعوا عطف على يأكلوا وكذلك يلههم الأمل والأمل فاعل، فسوف الفاء الفصيحة وسوف حرف استقبال ويعلمون فعل وفاعل والمفعول محذوف أي عاقبة أمرهم وسوء صنيعهم.
{وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ} الواو استئنافية وما نافية وأهلكنا فعل وفاعل ومن حرف جر زائد وقرية مجرور لفظا ومنصوب محلا على المفعولية وإلا أداة حصر والواو حالية ولها خبر مقدم وكتاب مبتدأ مؤخر ومعلوم صفة للكتاب والجملة حالية وقيل الواو زائدة واختار الزمخشري وجها آخر وهو أن تكون جملة لها كتاب معلوم صفة لقرية قال: والقياس أن لا تتوسط الواو بينهما كما في قوله تعالى: {وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون} وانما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف كما يقال في الحال: جاءني زيد عليه ثوب وعليه ثوب وسيأتي مزيد بحث عن هذا التركيب في باب الفوائد.
{ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ} ما نافية وتسبق فعل مضارع ومن حرف جر زائد وأمة فاعل تسبق محلا وهي مجرورة لفظا وأجلها مفعول به وما يستأخرون عطف على ما تسبق وحمل على لفظ أمة أجلها فأفرد وأنّث وعلى معناها قوله وما يستأخرون فجمع وذكر وَقالُوا: {يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} الواو استئنافية وقالوا فعل وفاعل وجملة يا أيها الذي نزل إلخ مقول القول ويا حرف نداء وأي منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب والهاء للتنبيه والذي بدل من أي وجملة نزل صلة وعليه متعلقان بنزل والذكر نائب فاعل وإن واسمها واللام المزحلقة ومجنون خبر إن. {لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِين} لو ما حرف تحضيض كهلا وتكون حرف امتناع لوجود والفرق بينهما أن التحضيضية لا يليها إلا الفعل ظاهرا أو مضمرا والامتناعية لا يليها إلا الأسماء وقد تقدم بسط ذلك وسيأتي مزيد من بحث لو ما، وتأتينا فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به وبالملائكة متعلقان بتأتينا وإن شرطية وكنت كإن واسمها ومن الصادقين خبرها وجواب إن محذوف تقديره آتيتنا بالملائكة.
{ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ} كلام مستأنف مسوق للرد على دعواهم وفيه لف ونشر مشوش وسيأتي حكمه في باب البلاغة وما نافية وننزل فعل مضارع فاعله مستتر تقديره نحن والملائكة مفعول به، وإلا أداة حصر وبالحق حال أي ملتبسا بالحق فالباء للملابسة ويجوز تعليقه بنزل وجعله الزمخشري نعتا لمصدر محذوف أي الا تنزلا ملتبسا بالحق والجميع جائز والواو عاطفة وما نافية وكانوا كإن واسمها وإذن حرف جواب وجزاء مهمل ومنظرين خبر كان. {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} إن واسمها ونحن تأكيد لاسم ان أو ضمير فصل لا محل له وجملة: {نزلنا} خبر إن وإنا عطف وله متعلقان بحافظون واللام المزحلقة وحافظون خبر انا. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ} الواو عاطفة واللام موطئة للقسم وأرسلنا فعل وفاعل ومن قبلك صفة للمفعول به المحذوف المفهوم من منطوق الإرسال أي رسلا من قبلك وفي شيع الأولين نعت آخر للمفعول المحذوف والشيع جمعة شيعة وهي الفرقة المتفقة على طريق ومذهب. {وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} الواو عاطفة وما نافية ويأتيهم فعل ومفعول به ومن حرف جر زائد ورسول مجرور لفظا مرفوع محلا على الفاعلية وإلا أداة حصر وكانوا كإن واسمها وبه متعلقان بيستهزئون وجملة: {يستهزئون} خبر كانوا وجملة: {كانوا به يستهزئون} حال أو صفة لرسول.
قال الزمخشري: {وما يأتيهم} حكاية حال ماضية لأن {ما} لا تدخل على مضارع إلا وهو في موضع الحال ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال وهذا الذي ذكره الزمخشري هو قول الأكثر من أن {ما} تخلص المضارع للحال وتعينه له وذهب غيره إلى أن ما يكثر دخولها على المضارع مرادا به الحال وتدخل عليه مرادا به الاستقبال وأنشد على ذلك قول أبي ذؤيب:
أودى بنيّ وأعقبوني حسرة ** عند الرقاد وعبرة ما تقلع

وقول الأعشى يمدح الرسول عليه السلام:
له نافلات ما يغب نوالها ** وليس عطاء اليوم مانعه غدا

.البلاغة:

1- التعبير بالضد: في قوله: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} اختلف علماء البلاغة في المراد بهذا التعبير وقد قرر النحاة أن ربما لا تدخل إلا على الماضي؟ وما المراد بمعنى التقليل الذي تفيده رب؟ وقد أجيب عن الاول بأن المترقب في اخبار اللّه تعالى بمثابة الماضي المقطوع به في تحققه فكأنه قيل ربما ود، وأجيب عن الثاني بأن هذا مذهب وارد على سنن العرب في قولهم لعلك ستندم على فعلك وربما ندم الإنسان على ما يفعل ولا يشكون في ندامته ولا يقصدون تقليله والعقلاء يتحرزون من التعرض من المظنون كما يتحرزون من المتيقن الثابت وهذا الجواب جميل ولكن الاجمل منه أن يقال: إن العرب تعبر عن المعنى بما يؤدي عكس مقصوده ومنه قول أبي الطيب المتنبي:
ولجدت حتى كدت تبخل حائلا ** للمنتهى ومن السرور بكاء

وقد سبقت الاشارة إلى هذا الفن الجميل وكلا هذين الوجهين يحمل الكلام على المبالغة بنوع من الإيقاظ إليها والعمدة في ذلك على سياق الكلام.
2- اللف والنشر المشوش: وقد تقدم ذكر هذا الفن وذلك في قوله تعالى: {ما ننزل...} ردا على مقالتهم الثانية وهي {لو ما تأتينا بالملائكة} أما رده على مقالتهم الأولى وهي {إنك لمجنون} فهو قوله: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ثم أردف ذلك بقوله ولقد أرسلنا من قبلك إلى آخر الآية أي أن هذا ديدنهم وديدن الجاهلية مع جميع الأنبياء فلا تبتئس واقتد بمن قبلك وتأسّ بهم.

.الفوائد:

1- رب ويقال ربت وربما وربتما وقد تخفف حرف جر للتقليل أو للتكثير حسبما يستفاد من سياق الكلام ولا يدخل الا على نكرة وهو في حكم الزائد فلا يتعلق بشيء نحو: رب جهل رفع، وإذا لحقته {ما} كفته عن العمل فيجوز دخوله على الافعال والمعارف فتقول ربما أقبل الخليل وربما الخليل مقبل وقد يبقى على عمله كقوله ربما ضربة بسيف صقيل وتكف بما فتدخل حينئذ على الاسم والفعل وتصير كحرف الابتداء يقع بعدها الجملة من الفعل والفاعل كقوله:
ربما تجزع النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال والمبتدأ والخبر كقول أبي دؤاد الايادي:
ربما الجامل المؤبل فيهم ** وعناجيج بينهنّ المهار

وتخلفها الواو كقول امرئ القيس:
وليل كموج البحر أرخى سدوله ** عليّ بأنواع الهموم ليبتلي

كما تخلفها الفاء كقول امرئ القيس أيضا:
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ** فألهيتها عن ذي تمائم محول

هذا ورب في الآية معناها التكثير كما قال الشاعر:
رب رفد هرقته ذلك اليوم ** وأسرى من معشر أقيال

أما علة دخوله على النكرة واختصاصها بها لأن النكرة تدل على الشيوع فيجوز فيها التقليل لقبولها التقليل، والتكثير لقبولها التكثير وأما المعرفة فمعلومة المقدر لا تحتمل تقليلا ولا تكثيرا، ولكنها قد تدخل في السعة على المضمر كما تدخل على المظهر مثل دخول الكاف في الضرورة كقول العجاج:
كل الذنابات شمالا كثبا ** وأم أوعال كها أو أقربا

إلا أن الضمير بعد رب يلزم الإفراد والتذكير والتفسير بتمييز يأتي بعده نحو ربه رجلا عرفته وربه امرأة لقيها وقال ابن النحاس:
اختلف في الضمير العائد إلى النكرة هل هو معرفة أو نكرة فإن قلنا بأن ضمير النكرة نكرة وبه قال السيرافي والزمخشري وجماعة فلا إشكال في دخول رب على الضمير لأنه لما أبهم من جهة تقديمه على المفسر من جهة وقوعه للمفرد والمثنى والمجموع بلفظ واحد وشاع من جهة تفسيره بالنكرة صار فيه من الإبهام والشيوع ما قارب به النكرة فجاز دخول رب عليه، وقال الشيخ ابن النحاس: لابد للمخفوض بها أو بما ناب منابها من الصفة أولا فمن الناس من قال منهم بعدم اللزوم ومنهم من قال باللزوم كأبي علي الزمخشري وابن عصفور واحتجوا لذلك بأن الصفة في النكرة للتخصيص فهي تفيد الموصوف تقليلا فيوافق المعنى المقصود في أن رب للتقليل. وقال الشيخ بهاء الدين أيضا إنما جاز: رب رجل وأخيه، ولم يجز: رب أخيه، لأن الثواني يجوز فيها ما لم يجز في الأوائل من قبل انه إذا كان ثانيا يكون ما قبله قد وفى الموضوع حقه فيما يقتضيه فجاز التوسع في ثاني الأمر بخلاف ما إذا أتينا بالتوسع في أول الأمر فإنا حينئذ لا نعطي الموضع شيئا مما يستحقه، هذا إذا لم نقل إن المضاف إلى ضمير النكرة نكرة فإن قلنا انه نكرة كان الجواز أسوغ. قال: ولا يكون العامل فيها إلا بمعنى المضي كقولك رب رجل جواد لقيته أو أنا لاق أو هو ملقي ولا تقول:
رب رجل جواد سألقى أو لألقين لأن التقليل في الماضي شائع ولا كذلك في المستقبل لأنه لم يعلم فيتحقق تقليله. قال: وتلزم أبدا الصدر لشبهها بحرف النفي من جهة مقاربة التقليل للنفي لأن النفي اعدام الشيء وتقليله تقريب من إعدامه ولأن العرب استعملوا القليل في موضع النفي قال الشاعر:
قلما يبرح المطيع هواه ** كلفا ذا صبابة وجنون

معناه ما يبرح المطيع هواه كلفا.
وهناك أبحاث تتعلق برب لا يتسع لها صدر هذه الفوائد.
2- واو الحال أيضا: مما توهم فيه النحاة اشتراطهم في واو الحال عدم اقترانها بإلا الإيجابية ومن العجيب أن يتورط في هذا الوهم ابن هشام في شرحه لألفية ابن مالك ويشايعه في وهمه الشيخ خالد الأزهري فإن ذلك ثابت في فصيح الكلام وهو هذه الآية {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم} وقول الشاعر كما قال شارح اللب:
نعم امرأ هرم لم تعر نائبه ** إلا وكان لمرتاع بها وزرا

وكأن الزمخشري شايع القائلين بعدم الجواز فجعل الجملة صفة والواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف.
3- لو ما: لو ما ولولا لهما وجهان أحدهما أن يدلا على امتناع جوابهما لوجود تاليهما فيختصان بالجمل الاسمية والى ذلك أشار ابن مالك بقوله في الخلاصة:
لولا ولو ما يلزمان الابتداء ** إذا امتناعا بوجود عقدا

نحو قوله تعالى: {لولا أنتم لكنا مؤمنين} وقول الشاعر:
لو ما الاصاخة للوشاة لكان لي ** من بعد سخطك في رضاك رجاء

والوجه الثاني أن يدلا على التحضيض فيختصان بالجمل الفعلية نحو {لو ما تأتينا بالملائكة}.